اللاجئون السوريون يعززون نسبة زواج القاصرات في الأردن
اللاجئون السوريون يعززون نسبة زواج القاصرات في الأردن
الوطن العربى اليومية - الأردن (أخبار المرأة)
أظهرت بيانات المحاكم الدينية الأردنية أن حصّة كبيرة من رخص الزواج التي أصدرت في السّنوات الثلاث الأخيرة تعود لقاصرات من الجنسية السورية. إلّا أن الجدل في المجتمع الدولي يتركّز حول ما إذا كان زواج القاصرات يتفاقم في أوساط اللاجئات السّوريات أم أن الأزمة الرّاهنة سلّطت الضوء على هذا الواقع.
فيروز أبازيد، ٣٤ عامًا، أرملة تعيش في عربة مع بناتها الثلاث المراهقات.
قالت فيروز إنها غادرت سوريا بعدما أوقف جنود سوريون ابنتها البالغة من العمر خمسة عشر عامًا على حاجز للجيش وسألوها ما إذا كانت ترغب في "تذوق الحرية"، ما اعتبرته الأم تهديدًا بالاغتصاب.
أمّا في مخيم الزعتري، أكبر مخيم للاجئين في الأردن، فكان عليها أن ترفض طلبات زواج أكثر إلحاحًا تقدم بها "أردنيون أو سوريون أو حتى خليجيون"، وأضافت: "قالوا لي، نريد الزواج من بناتك، فقلت لا، فهن ما زلن في السابعة عشرة والخامسة عشرة والثالثة عشرة من العمر وأنا أريدهن أن يكملن دراستهن."
وقد أودى النزاع الدّامي في سوريا بحياة الكثيرين منذ حوالى ثلاث سنوات، وقد قارب عددهم ١٣٠ ألفًا فيما لا تملك الأمم المتحدة إحصاء رسميًا.
وغادر سوريا حوالى مليونين ونصف لاجئ، أي أكثر من ١٠ في المئة من إجمالي السّكان، ولجأت غالبيتهم الى الدّول المجاورة كالأردن مثلًا.
وقد فاقمت الظروف الصعبة التي يعيش في ظلّها اللاجئون خطر الزواج المبكر. وبالرغم من أن سنّ الزواج القانوني في الأردن حُدّد بثمانية عشر عامًا، يحوي النظام القضائي فيه ثغرة تتيح الزواج المبكر. فالمحاكم الشرعية التي تعنى بأمور الزواج والطلاق والإرث توافق على زواج فتاة تخطت الخامسة عشرة من عمرها.
وقد سجلت المحاكم الشرعية في العام ٢٠١٣، ٧٣٧ زواجًا لقاصرات من الجنسية السورية، مقابل ٤٢ زواجًا في العام ٢٠١١ مع بداية الأزمة السورية. وتوفّر المحاكم الدينية الأرقام الأكثر دقة حول الزواج في الأردن الذي لا يعترف بالزواج المدني بل يشترط على المسلمين أن يعقدوا قرانهم على يد شيخ في المحاكم الشرعية وفقًا للشريعة الإسلامية.
وتظهر الأرقام نفسها أنه اعتبارًا من النصف الأول من العام ٢٠١٣، ضاهى عدد القاصرات المتزوجات ربع عدد النساء السوريات اللواتي سجلن زواجهن (٢٥٨ زواجًا لقاصرة من أصل ١٠٩٠ زواجًا مسجلًا لنساء سوريات)، وقد شكلن ضعف النسبة التي سجلت في العام ٢٠١١ والتي بلغت ١٢ في المئة.
وما زالت المحاكم الشرعية في صدد إصدار أرقامها للنصف الثاني من العام ٢٠١٣، إلا أن الأرقام الأولية لشهر ديسمبر تشير الى أن ١١٩ قاصرة من الجنسية السورية سجلت زواجها في ذلك الشهر أي حوالى ثلث عدد النساء السوريات اللواتي سجلن زواجهن والذي يبلغ ٤٢٤، فيما لا تتعدى نسبة القاصرين ٥،١ في المئة من إجمالي نسبة الرجال السوريين الذين سجلوا زواجهم والذين بلغ عددهم ٢٧١.
وفيما يستحيل الحصول على الاحصاءات الرسمية السورية حول الزواج المبكر، أظهرت دراسة أجرتها منظمة Population Reference Bureau في العام ٢٠١١، أن ١١ في المئة من السوريين المتزوجين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، وهي نسبة منخفضة جدًّا بالمقارنة مع النسبة الصادرة عن المحاكم الشرعية الأردنية في ديسمبر ٢٠١٣ والتي بلغت ٢٨ في المئة.
ويشير العاملون في الحقل الإنساني الى أن غالبية اللاجئين السوريين في الأردن يأتون من مناطق ريفية وهم بالتالي لا يمثلون الاتجاهات الرائجة على الصعيد الوطني.
لكن، بالرغم من أن الزواج المبكر كان رائجًا في سوريا قبل الأزمة وتحديدًا في المناطق الريفية والمجتمعات ذات المستوى التعليمي المنخفض، يؤكد العاملون في الحقل الانساني في الأردن أن المشكلة تتفاقم في أوساط اللاجئين.
ويقول هؤلاء إن بعض العائلات التي ترزح تحت عبء ضائقة مادية تفتش عن وسائل تخفف عن هاكلها وطأة الازمة. أما بعضها الآخر، فيريد أن يحمي بناته من العنف الجنسي، فيما تبحث عائلات أخرى عن وسيلة تغطي فيها تعديًا جنسيًا لتحافظ على شرف العائلة.
وقال عالم نفس سوري يعمل لصالح منظمة إنسانية دولية في مخيم الزعتري إن "المشكلة تفاقمت بسبب الأزمة، فالعائلات التي تحوي ثلاث أو أربع فتيات ترغب في التخلّص من عبئهن فيزوجنهن باكرًا." وقد طلب هذا الأخير عدم ذكر اسمه لأن مسؤوليه لم يخولوه الادلاء بحديث الى الصحافة.
وينفي عاملون أجانب في الحقل الإنساني أي علاقة بين الزواج المبكر وأزمة اللاجئين، معتبرين أن هذه الظاهرة كانت رائجة في المناطق الريفية في سوريا، وأنها اليوم عبرت الحدود لتصل الى الأردن.
وأشارت "أنّا بِلِن أرْخونا"، موظفة الأمن في المفوضيّة العليا للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين وعضو في فريق عمل في الأردن يهدف إلى جمع الأمم المتحدة وغيرها من منظمات الإغاثة لتواجه معاً العنف الجنسي والعنف على أساس النوع الاجتماعي، أشارت إلى أنّ " الزواج المبكر لم يكن قد نتج عن ترحيل الشعب، فهو موجود أصلاً في المنطقة وفي الثقافة".
يُبرز التقييم بين الوكالات بشأن هذه المسألة، استناداً إلى دراسة استقصائية شارك فيها ٨٨٥ سورياً في الأردن، أنّ ٣٣٪ من الرجال المستطلعين و٤٤٪ من النساء المستطلعات يعتبرون الزواج ما دون ١٨ سنة جزءاً لا يتجزّء من العادات والتقاليد السورية.
ومن بين المشاركين في التقييم هناك ٥١،٣ ٪ من النساء و١٣٪ من الرجال قد تزوّجوا قبل بلوغهم الثامنة عشرة من العمر (وذلك قبل وصولهم إلى الأردن).
وقالت بليرتا أليكو، مستشارة الشؤون الصحيّة في الأمم المتّحدة في العاصمة الأردنية عمّان: "قمنا بتغطية ١١ محافظة وتوصّلنا إلى خلاصة تفيد أنّ زواج الأطفال لا يحصل حاليّاً بمعدّل أعلى، إنّما كان أيضاً في السابق مشكلة كبيرة."ترى أليكو وغيرها أنّ الفرصة متاحة لمعالجة الأزمة في معضلة اللاجئين.
وللتصدّي للزواج المبكر في مخيّم الزعتري، تعزّز منظمة " أنقذوا الأطفال"، وهي منظمة بريطانية غير حكومية لديها مكاتب ميدانيّة في الأردن، "عقد شرف" لدى جماعات اللاجئين يُلزم الأهل بعدم تزويج أولادهم قبل بلوغهم الثامنة عشرة من العمر. ويشير غاندي باكار، الذي يعمل في منظمة إنقاذ الطفل في مخيّم الزعتري، إلى أنه قد جمع بمساعدة قادة المجتمع السوري، آلاف الموقِّعين من اللاجئين المقيمين في المخيّم.
وأضاف "لا يمكنني أن أكون واثقاً من توقّف هذا النوع من الزيجات، ولكّنه قد انخفض إلى أدنى حدّ".
مع ذلك، وخلال مقابلات أجراها موقع أخبار المرأة في الخريف الماضي، جمع شواهد عن العديد من الزيجات المبكرة وسطَ اللاجئين السوريين. ويقول الناشطون الاجتماعيون السوريون في الأردن أنّ الأُسر الفقيرة تُستَغلّ بناتها. فتتصاهر مع السوريّين، والأردنيين، والفلسطينيين والرجال العرب من منطقة الخليج الفارسي الذين يبحثون عن عرائس يافعات. والمهر هو جزء من تقاليد الزواج الاسلامي، إذ يُلزَم العريس أو عائلته بدفع مبلغ للعروس وقت الزواج.
وقد خفّت ممارسة هذا المعتقد إلى حدٍّ كبير حين يجمع الزواج بين لاجئَيْن سوريَّين يافعين ، إذ نادراً ما يتوفّر للعريس تأمين المهر. أمّا العريس الأجنبيّ فيمكنه تقديم الصداق لأُسْرة العروس التي تعاني ضائقة مادّيّة.
وأشارت الطبيبة النفسيّة الأردنيّة عائشة المصري لموقع أخبار المرأة أنّ "الرجل الخليجي يأتي، فيتزوّج، ويستأجر منزلاً للفتاة وأُسرتها، ويمضي شهراً أو اثنين ومن ثمّ يرحل. فقد رأيتُ أكثر من خمسين أو ستّين حالة مماثِلة".
وفي حين أنّ بيانات محكمة الشريعة في الأردن قد تكون أفضل مرشد في البلاد لمنحى الزواج، بيد أنّه باستطاعتها أيضاً أن تُصوِّر واقع الزواج المبكر على نحو أضعف.
قد يسمح بعض الأهل لأولادهم، على سبيل المثال، أن يتزوّجوا في سنّ مبكرة ولكنّهم ينتظرون إلى أن يبلغوا ١٨ سنة لتوثيق الحدث.
كما أنّ الزواج العرفي، الذي يقضي بتوقيع الزوجين أمام الشهود على عقد الزواج وغير المُسجَّل لدى سلطات الدولة، يشوّش أيضاً الصورة.
هذه الترتيبات يمكن أن تكون ذات وقت محدّد وذات غطاء ديني لممارسة الجنس بالتراخي بين الطرفين، أو حتى للدعارة. وبما أنّها غير مسجَّلة لدى سلطات الدولة فمن الصعب تقدير مدى انتشارها.
وفي غياب محكمة الشريعة التي يمكن إنشاؤها بسهولة والافتقار غالباً إلى الوثائق الرسمية، يتبادل العديد من اللاجئين السوريين في مخيّم الزعتري عهوداً أمام أيّ شيخ وبحضور شاهدَين. ولكنّ السلطات الأردنية والسورية لا تعترف بمثل هذه الزيجات. و يشكّل إنشاء محكمة دينيّة في مخيّم الزعتري لتسهيل تسجيل الزواج الرسميّ إحدى الخطوات التي يتمّ العمل عليها للحدّ من مشكلة الزواج المبكر وتطوير الوثائق.
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: