محمد إقبال حرب ، يكتب : المُتعة ..
محمد إقبال حرب ، يكتب : المُتعة ..
المتعة تلك النعمة التى حبا الله بها البشر مذ وطئت قدم الانسان أرض البسيطة إن هي إلا نتاج لتضافر الحواس في بلوغ نشوة تبعث في الانسان طاقة ساحرة تمكنه من اجتياز مراحل ضعفه بسلاسة وتحيل كآبتة إلى سعادة ولو إلى حين. للمتعة سحر خاص يسعى لها الإنسان الذي أدرك نشوتها وسبر سحرها.
للمتعة أشكال وسُبل تحدث صدفة أو عن سبق إصرار، رغم ان استساغة هذه المتع يبدأ منذ نعومة أظفارنا دون إدراكنا لماهيتها. فالمتعة التي نجدها في كلمة حب أو حنان، في لمسة حانية أثناء طفولتنا تترك أثرا أزليا يكون مرجعا لما سنستشعره في المستقبل. بل قد نجد المتعة في أكلة لذيذة أو معاملة حسنة، نغمة موسيقية. كلمة تشد العزيمة وأخرى تحبطها. معظم الناس يتوهمون بأن قمة المتعة هي العلاقة الجنسية التي إن هي إلا تضافر جهود الحواس وتناغمها مع المشاعر عبر أمد طويل كي تكون متعة إنسانية وليس شهوة حيوانية. فالعلاقة الجنسية لا ترتقي إلى المتعة إن لم ترافقها كلمة طيبة ولمسة رقيقة في جو من الإلفة والحنان لأجل طويل. وإلا فان هذه العملية تكون مجرد إفراغ جسدي لطاقة يمكن لها ان تُستنفذ بطرق مختلفة.
فكلما تطور الانسان وهذَّب مداركه كلما ارتقى بسلم المتعة من مسبباتها المادية إلى جوهرها النوراني. لذلك نرى تفاوتا في نوعية وزخم المتعة. متعة تنتهي بعد انتفاء الحاجة مثل الأكل والشرب الذي يجب علينا تجديده كلما شعرنا بالجوع. ومتعة أزلية تستمر باستمرار وجودها يرتقي بها الانسان من نشوة إلى أخرى أسمى. فطالب العلم الذي يقتنص علما جديدا أو يفتح لنفسه بابا من حجب المعرفة الروحية أو المادية لا بد وأن يستمر في سبر ذاك الطريق دون كلل أو ملل لأنه يدرك بأن أعماق المعرفة هي لب الحقيقة وفي لبها تكمن السعادة المنشودة. نعم قد تختلف مشاعر المتعة بين ولوج عالم المادة والروح من شخص إلى آخر، كل حسب قدره.
لا أستغرب بأن كثيرنا يكتفي بمتع سهلة الوصول سريعة النشوة حتى وإن كانت بسيطة ضعيفة. ولا يحيرني أن البعض يبحثون عن متعة واهمة في جسد الجنس الآخر أو العلاقة الشاذة، كما لا أستغرب كذلك ممن يبحثون عنها في ابتلاع أو استنشاق وشم المخدرات فهم في النهاية يبحثون عن شهوة مادية لا تؤذي غيرهم بطريقة مباشرة لو جاز التعبير. لكن ما يثير دهشتي ويحطم أسس وجودي الحضاري هو متعة التعذيب والقتل... متعة القضاء على نفس النوع البشري الذي ننتمي اليه متخذين أعذارا واهية تكمن في اختلاف اللون أو العقيدة أو الإرث الحضاري. وكلها أشياء نرثها ونحمل جمالها أو قبحها أبا عن جد شئنا أم أبينا.
يثير دهشتي ويحطم نشوتي ذاك النوع من البشر الذي يتخذ الهمجية عنوانا لسد رمق متعته، ليس لأنني لا أستسيغ القتل فحسب وليس لأن جوارحي تنهار بدموعها لصوت يستنجد بإخوانه البشر بل عن نوع تلك المتع التي تكمن في جوراح هؤلاء الذين يبدون لي كبشر.
أتراهم بشر كما نراهم ويدعون؟
أتساءل إن كانوا فعلا يمتلكون حواسا تمكنهم فعليا من الوصول إلى نشوة بشرية بعيدة عن الأنسانية. لن أقول نشوة حيوانية لأن الحيوان لا يقتل إلا ليشبع جوعه أو ليدافع عن نفسه. لم أسمع عن حيوان يقتل ويفترس هذا وذاك ثم يتراقص على أجسادهم ويغتسل بدمائهم... ويأكل قلوبهم. إذن لا أستطيع أن أصنفهم في عالم الحيوان كما لا أجد من صفاتهم ما أضعهم فيه بخانة البشر.
أيا ترى إلى أي نوع ينتمون؟
أتراها متعة تلك التي يجدها البعض في صراخ ضحاياه، أم هي نشوة تتجلى في إهراق دم يحملون صنوه؟ أم انها تكمن في قدرته على اصطياد عقل أعلى منه تفكيرا برصاصة رخيصة، بسبب عجزه على الإقناع وتقبل الرأي الآخر؟ بل، أتراه فعلا يجد متعة في الإمساك برقبة مسكين أو مسكينة، طفل أو بالغ فينحره كذبيحة ثم يدوس على رقبته بكل فخر.
أي متعة هذه التي تدعي القداسة؟ تلك التي لم تحرك ساكنا في قلوب أصحاب السلطة ورجالات الدين كي يعلنوا الحرب والعداء لهذه الفئة، علما بأن الأول قد أعلن الحرب على فيروس الطيور وجنون البقر والثاني أجاد في تحليل الفياغرا وجهاد النكاح.
السؤال الذي يحيرني، إذا ما كان قدر الإنسان هو الاستمرارية نحو الارتقاء إلى كائن أسمى، كيف أمكن للمتع الشيطانية أن تزهو وترتقي بوتيرة سريعة وتحصد هذا الكم من الإعجاب والزهو في قلوب كثيرة كانت إلى يوم قريب تدعو للسلام وتفخر ببساطة وجودها.
هل يمكن لهذه المتع "الحضارية" الجديدة أن تنتصر وتحل محل الحب والجمال والنظر إلى بديع صنعة الله تفكرا ؟
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: