الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : كاريزمية الأبطال ودكتاتورية الأفعال
الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : كاريزمية الأبطال ودكتاتورية الأفعال
الوطن العربى اليومية - القاهرة
اتمنى أن يبهرني، يذهلني بأسلوبه المتجدد المحارب للملل، ولا يجنح إلى الكلل.. اريده يلهب حماسي، يدعوا بشكل دائم لاحتفالية العمل الماسي، العمل الجاد المحقق للتنمية وتحقيق الهدف ليرضي طموحي وأمنيات المواطن المعذب بكثير من المآسي..
اتمنى بطل يتمتع بشخصية كاريزمية ملهمة موهوبة، تجذب ألوف العيون، يتبعه البشر ويصدقون على أفعاله وأقواله بجنون.. قائد، رائد، ساحر، ثائر، فكره مبدع، تأثيره نافذ، فلاذي الإرادة، ملتهب الحماس، مطور لرؤية شاملة لا تخلو من السياسات الحكيمة والتوجهات المتزنة العاقلة.
هل يمكن أن يوجد هذا البطل الكاريزمي الساحر ذو المواهب الخاصة؟.. وإن وجد، هل بإمكانه أن يخلصني من اوجاعي وآلامي والعمل على تحسين وضعي الحالي؟.. هل لديه بعض الخطط التنموية لتحقيق بعض الخطى التقدمية التي تفيد البشرية.
لقد أبرز التاريخ عدد من الشخصيات البطولية التى تمتعت ببعض الصفات الكاريزمية، كالتأثير الطاغي الساحر، والأسلوب المقنع الذي يثور ويغير من الأفكار المتحجرة والآوضاع الثابتة، لديه الروح النضالية والأساليب القتالية المقنعة والممكنة لدفاع عن قضيته الكبرى، التي تعتبر قضية عامة، تمثل له قناعة شديدة، يلمسها ويتأثر بها ويشعر بثقلها ومدى اعوجاجها كأسلوب حياة غير عادل بالنسبة لفئة معينة من البشر..
من أمثال هؤلاء، السياسي الهندي مهتاما غاندي الزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها.. ونيلسون مانديلا السياسي الثوري المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.. والطبيب الثوري المناضل أرنستو تشي جيفارا زعيم الثورة الكوبية على ظلم النظام الكوبي.. والثوري الروسي الماركسي فلاديمير لينين قائد الثورة البلشفية، والمؤسس للمذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.. والزعيم جمال عبد الناصر الذي تتمتع بشعبية هائلة وجاذبية كاريزمية مؤثرة وحب جماهيري كبير.. والزعيم محمد أنور السادات الملقب ببطل الحرب والسلام.. والسياسي المناضل ياسر عرفات زعيم حركة التحرير الفلسطينية.
وعلى المستوى الإنساني ومجال العمل الاجتماعي، نجد هناك بعض الشخصيات التي اكتبست حب كاريزمي واسع النطاق، كالأميرة ديانا التي أصبحت تلقب بأميرة القلوب.. فلقد أخذت قلبي "أنا شخصياً" عندما اسعدني الحظ بمقابلتها بأحد المستشفيات.. كانت الأميرة ديانا تتمتع بطلة رقيقة مؤثرة، ذات جمالاً ملائكياً، تشارك الآخرين اوجاعهم وآلامهم.. وهكذ اكتسبت الأميرة بجاذبيتها الساحرة شعبيتها الكاريزمية من خلال اهتمامها بهموم الرعايا وتفاعلها مع بعض المشاكل والقضايا الهامة والمؤثرة في حياة فئات معينة من البشر بغض النظر عن لونهم وعقيدتهم الدينية.
وهكذا، يكتسب بعض الأشخاص بطولتهم وسحرهم الكاريزمي من خلال الأعمال المميزة التي يقومون بها، وتبنيهم لبعض القضايا الجوهرية التي تمثل إشكالية بالنسبة لفئات معينة من البشر، أو بعض القضايا التي تخدم البشرية بصفة عامة، ويكون بذلك بطل سلام شهير بصورته الكاريزمية.. وقد يتبنى البطل قضايا تخدم أهداف خاصة في امبراطوريته التي يصنعها لنفسه، يفرض نظامه القهري وقواعده التعسفية، ويكون بذلك بطل دكتاتوري..
كالقائد السياسي أدولف هلتر، مؤسس الحزب النازي بألمانيا ورئيس ألمانيا.. والسياسي الإيطالي بينيتو موسيليني زعيم الحزب الفاشي ورئيس إيطاليا.. وآخرين من القادة الدكتاتوريين الذين ذكرهم التاريخ وسرد ظلم انظمتهم القمعية، سواء أنظمة غربية كانت أو عربية.
وهنا نأتي لتساؤل هام.. ما العوامل التى تساهم في صنع البطل الكاريزمي أو القائد الدكتاتوري؟. هل هي سمات شخصية وصفات وهبها الله عز وجل لتلك الشخصية، أم أنها مهارات مكتسبة؟.. أم الاثنين معاً، أي أن الشخص يولد موهوب بصفات خاصة يتم تنميتها من خلال دخولة في أنشطة اجتماعية مختلفة ووسائط أسرية / تربوية / تعليمية.. فهو يعيش ضمن سياق اجتماعي معين ويتفاعل مع الظروف والأوضاع الواقعة في فترة زمنية ما، سواء أكانت ظروف وأوضاع خاصة بجماعة اجتماعية صغيرة (كالأسرة، جماعة الاصدقاء، جماعة العمل) أو جماعة اجتماعية كبرى تجذب قاعدة اجتماعية عريضة.. فكل جماعة (صغرى/ كبرى) تلتف حول شخص ما لتنصبه كقائد لها، يترأسها ويقود تشكيلها، وذلك بصفة رسمية أو غير رسمية..
ولكن هل الوسائط الاجتماعية لدينا تقوم بدورها في الإسهام الحقيقي لإنتاج أبطال كاريزميين يسحرون أعين ألاف الجماهير بحماسهم الملتهب في خدمة قضايا عامة وحل مشاكل الجماهير؟.. أم أنها وسائط قائمة على أساليب وأنظمة دكتاتورية، بدءً من النظام التربوي الآسري، والنظام التعليمي والأنظمة المؤسسية الأخرى..
فهذه الأنظمة أما أن تخلق دكتاتوراً أو أما أن تخلق رعايا خانعين تابعين يتم تشكيلهم ليصبحوا مجرد آلات أو وسائل لخدمة سير النظام ووجودة..
لا أميل أبداً إلى التعميم.. ولكن هناك بعض الأساليب القمعيمة التي تتبناها بعض الأنظمة، حيث تقوم أساليبها على سياسة التخويف والترهيب.. فنجد مثلاً بعض الأسر التي تزرع الخوف في أبنائها من خوض أي تجرية جديدة، وتظل ترهبهم بالمخاطر المتوقعة وغير المتوقعة.. تظل توصيهم بالسكون والسكوت، بالمشي جوار الحائط وعدم المشاركة وعدم التفاعل والتدخل في أي موقف أو مشكلة تقع في الشارع أو في المحيط المتواجدين فيه، توصيهم بعدم الخروج من الأنماط والحدود التقليدية خوفاً من العواقب والمشاكل التي سيتعرضون لها.. ونتيجة لذلك تعزز فيهم القيم السلبية.. ولا اقصد هنا المشاركة "الشفهية ربما" في الرأي السياسي وأحداث البلد فقط، بل المشاركة التفاعلية الجادة في مجالات شتى: كمجال العلاقات الاجتماعية والعمل التطوعي الاجتماعي وتقديم خدمات إنسانية لأشخاص آخرين، والبعد عن المفاهيم والمقولات التربوية السائدة "اهتم بحالك ولا تشغل نفسك بالآخرين، لا تتدخل حتى لا تتعرض لمشاكل أنت في غنى عنها.. الخ".. كما أن هناك بعض الأسر التي تساهم بأساليبها التربوية في خلق الدكتاتور الذكوري وتفوقه في كثير من الحقوق على الإناث، فمن المفترض أن تكون الأنثى دائماً كائن تابع خانع، كائن غير صالح للمشاركة في العديد من المجالات.. على الرغم من أن سطور التاريخ تشهد بإسهامات كثير منهن.
ومجال التعليم والعمل الفكري/ البحثي الإبداعي، فالبعض يهتم فقط باستذكار المناهج والحفط من أجل تخطي درجة النجاح في الأمتحانات، ولا يهتم بالتشجيع على الاهتمام بالقرأءة والانفتاح الفكري وتنمية الذات.. لا ازعم هنا أن الجميع مبدعين، ولكن من المؤكد أن لدى كل شخص مواهب أو قدرات قابلة للتنمية، وربما لا تسهم النظم والأساليب القمعية المختلفة في توفير البيئة التنموية المناسبة لهذه المواهب والقدرات.
ولهذا لا يتواجد البطل الكاريزمي في حياتنا بكثرة.. بالرغم من احتياجنا الشديد لهؤلاء الأبطال المتبنين لقضايا عامة وإشكالات اجتماعية عميقة.. وللأسف لا يتواجد هذا البطل بكثرة بسبب بعض الأنظمة الدكتاتورية التي لا تسمح بالنمو الإبداعي الخلاق والخروج عن الأطر التقليدية المتحجرة، وليس الخروج عن الأطر المقبولة اجتماعياً في مجتمع ما.
نعم هناك أبطال نشهد لهم بالبطولة الكاريزمية نظراً لما قدموه من أعمال وخدمات مميزة في مجال حياتنا اليومية.. ولكن نواجه أيضاً في حياتنا اليومية كثير من الفاعلين ذوي التوجهات الدكتاتورية التي لا تشجع ولا تؤيد بأي حال من الأحوال الإنطلاق المبدع الذي يخلق البطل الكاريزمي، حتى ولو على مستوى الوحدات الاجتماعية الصغري، وليس فقط على مستوى القاعدة الجماهيرية الكبرى..
وهكذا قد يسعدنا الحظ بظهور قلة من الأبطال الكاريزمين في حياتنا العامة، ولكن قد نقابل كثير من الشخصيات من أصحاب الأفعال الدكتاتورية التي تقمع الطموحات والتطلعات التقدمية..
===========================
دكتورة نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: