الأخبار العربية و العالمية

عالم السياسة و الإقتصاد

شئون الأمن و الدفاع

الأراضى العربية المحتلة

الثقافة ، و الأدب العربى و العالمى

دنيا الفنون و الإعلام

المرأة و الطفل ، و الأسرة و المجتمع

الأزياء و الجمال - الديكور - المطبخ

صحتك بين يديك

دنيا الشباب و الرياضة

التاريخ و السياحة و الآثار

علوم و تكنولوجيا

شخصيات و حوارات

المواطن و الشارع العربى

التقارير المصورة

تقارير و دراسات و مؤتمرات

الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : رحلة عذابي بين آلامي وأطباء عظامي..

 الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : رحلة عذابي بين آلامي وأطباء عظامي..


زرقت بطفلة رائعة الجمال، ملامحها رقيقة بشكل يفوق الخيال.. ومع مرور الأيام كبرت طفلتي، ومن بعدها علت صرختي.. فلقد لاحظت أن نموها غير طبيعي، تعاني من علة صحية لا أعلمها.. وهنا بدأت رحلة عذابي وآلامي مع الأطباء بصفة عامة ومع أطباء العظام وأطباء المخ والأعصاب بصفة خاصة.
ففي البداية عانيت ما عانيت خلال مروري على عدد من الأطباء حتى تم التمكن من التوصل لتشخيص حالة أبنتي، وتم تحديد المختصين بحالتها، فهي بحاجة إلى أن يتم متابعتها من خلال طبيب العظام وطبيب مخ وأعصاب وأخصائي علاج طبيعي.. إذ تعاني ابنتي من مرض الشلل الدماغي cerebral palsy  .. أسم المرض نفسه يقبض القلب، وخاصة لمن لا يملك دراية علمية أو بعض الثقافة الطبية عن خلفية هذا المرض.. 
بعد أن تليقت الصدمة، وتقبلت وجع الآزمة، بدأت أفكر في مصير ابنتى، أحاول أن اتفهم مرضها وكيفية مساعدتها.. البعض من الأطباء لم يقدم لي نفعاً في تحقيق ذلك، فلقد كانوا يعتبروا أن حالات الشلل الدماغي غير قابلة للعلاج أو حتى قابلة للتحسن من خلال التأهيل والعلاج الطبيعي، في بعض الأحيان كانوا يوصونني بأن اتركها وشأنها، لا اقدم لها أي رعاية صحية أو تعليمية أو تأهيلية.. وحيث كان من رأي البعض أن القصور في العضلات والأعصاب والحالة التي تعاني منها ابنتي ستؤدي بها إلى الموت القريب يوماً ما، ولذا كانوا يروا أنه من الافضل أن اتركها شأنها وأن أهملها ولا ازعج نفسي بها..
واتعجب لمثل هذا الأسلوب الفكري والعلاجي لمثل هذه الفئة من الآطباء، التي من المفترض أن تقدم لي المساعدة الملائمة في توجيهي للتكيف مع حالة ابنتي.. فما هو الذنب الذي ارتكبته ابنتي حتى تعامل بإهمال وينكر عليها جميع حقوق الرعاية.. لم تختار ابنتي أن تكون مريضة بهذا المرض المزمن الذي سوف يلازمها في جميع مراحل حياتها.. 
كيف لي أن أهملها وأنا أم، فهذه الابنة سواء كانت طبيعة أو تعاني من علة ما، هي مسئولة مني أمام الله عز وجل أولاً، وأمام نفسي ثانياً كقلب أم ينكر ذاته من أجل إسعاد فلذات أكباده.. فمهمة تربية طفل غير طبيعي جسدياً (أو حتى ذهنياً) تعتبر مهمة صعبة تشوبها كثير من التحديات التى سوف تواجه والدي الطفل المصاب بعلة مزمنة، وستواجه الشخص المريض ذاته، وخاصة مع الصعوبات والعراقيل التي يصنعها ثقافة المجتمع بأفراده ومؤسساته، وكذلك مع قصور الخدمات والرعاية المقدمة للأطفال والبالغين من ذوي العلل المزمنة. 
ومن بعض المواقف الصعبة والمؤلمة التي تعرضت لها، كلام الناس الجارح عن حالة ابنتي، فالبعض كان ينصح ببعض الفتاوى التى لا أساس لها من الصحة، والبعض من الأهل والأقارب كانوا يروا أنه لا جدوى من علاجها وتأهيلها أو حتى تلقينها بعض المبادئ الدينية والأخلاقية وتعليمها بعض المعارف الحياتية.. ناهيك عن العديد من الصعوبات والعراقيل التى يواجهها أولياء أمور الأبناء من ذوي الإصابات المزمنة، كالأجراءات المتبعة لاستخراج أوراق رسمية للشخص المعاق أو التسجيل للقيد في جهة ما.. هذا علاوة على المعاناة في التنقل من مكان لأخر وعدم توافر وسائل نقل مخصصة لهذه الفئة، أو حتى وجود منحدرات مخصصة للكراسي المتحركة في بعض الأماكن الحكومية والمرافق العامة أو حتى بعض أماكن الترفيهة والمنتزهات العامة، والأصعب من ذلك وجود بعض المؤسسات الصحية التى لا تهتم بوجود هذه المنحدرات فيها، وفي هذه الحالة يعاني المعاق في التوسل لبعض المارة للحصول على المساعدة لصعود الدرج.    
وكأم حاولت بذل قصاري جهدي لمساعدة ابنتي في أن تحيا حياة شبه طبيعية قدر المستطاع وتخطي بعض الصعوبات التى تواجها قدر الإمكان.. فعلت ذلك بالرغم من كلام بعض الأطباء بأن انتظر موت ابنتي القريب، وكلام بعض الأقارب الذي يشجعني على إهمالها.. والحقيقة أني انتظرت موتها في بعض الأيام من عمرها.. وشعرت بالذنب وتأنيب الضمير لأنني حاولت إهمال ابنتي لفترة من الوقت متأثرة بكلام بعض الأطباء بانتظار انتهاء حياتها وتقبل ذلك، ولعل كلامهم زرع بداخلي أمنية انتظار موتها، فلعل ذلك يكون أفضل لها، أفضل من أن تحيا حياة تعسة معذبة..
ولكن ابنتي عاشت ولم تمت كما توقع لها الأطباء، وكأن الله عز وجل يعرض لنا آياته وحكمته من خلال تلك الفتاة عليلة الصحة.. فكما اخفقت توقعات بعض الأطباء بموتها القريب، اخفقت أيضاً توقعات الكثيرين في قصور قدراتها العقلية والتعليمية، فلقد تم إلحاقها بالمدرسة بعد تخطيها اختبار الذكاء بدرجة عالية، وتمكنت من اجتياز اختبارات السنوات التعليمية المختلفة، على الرغم من تلميحات البعض بأنها سوف لا تفلح ولا تنجح، ومن الافضل لها إلتزام المنزل وعدم الإثقال عليها بمشقة التعليم والخروج من المنزل..
أحقاً هم يشفقون على ابنتي من تعبها وتكبدها بعض الجهد الزائد، غير ذلك الجهد الذي يبذله الأشخاص الطبيعيين.. أم أنهم يخشون على أنفسهم من بذل بعض الجهد في تقديم المساعدة الملائمة لهذه الفتاة وأمثالها ممن يعانون أمراضاً مزمنة ويحتاجون نوع معين من الخدمات والرعاية التربوية والتعليمية والصحية.. وماذا لو كانوا هم في نفس موقفي، هل سيهملون أبنائهم دون تقديم الرعاية المناسبة لهم.. فلذات الأكباد لا يمكن أن تهمل، فذلك جزء من رحمة الله عز وجل التي نشرها في الأرض وبثها في قلوب البشر وتمثلت في الحب والاهتمام الذي يبعث في قلوب الوالدين بما يعينهما للقيام بالمهمة الشاقة لرعاية الأبناء.. 
ولذا أخذت على عاتقي الكفاح والجهاد لمساعدة ابتني والمرور بمحنتها التى سترافقها طوال الحياة.. كنت اشفق عليها، يشغلني التفكير بمستقبلها ويقتلني خوفاً من أن اتركها وحيدة دون سند أو عون في هذه الدنيا.. أود أن احميها افديها بكل ما أملك حتى تشفى وتمشي وتتحرر من سجنها وقيودها.. ولكني أخيراً اهتديت وآمنت أن هذا قضاء الله وقدره، ونحن البشر لا نملك شيئاً حتى نفدى به أنفسنا.. حتى أنفسنا لا نملك فيها شيئاً، ويخطيء من يعتقد أننا نملك شيئاً في هذا الكون، فكل شيء ملك لله عز وجل يستخلفه كما يشاء..
نجح كفاحي واسثمر بحصول ابنتى على الدرجات العلمية العليا من خلال تشجيعي ومساندتي لها، أنا ووالدها (البطل الخفي)، وشعرت بالزهو والإطمنان عليها أكثر بعد أن سعيت بشكل دءوب على حصول ابنتي على وظيفة تؤمن لها مستقبلها وتكفيها شر العوز والحاجة للاعتماد على الغير على الأقل مادياً، حتى لا تمثل عبئاً على أحد يوماً ما.  
بالتأكيد لم تكن الرحلة سهلة، وخاصة أن مرض ابنتي يسبب لها عدد من الصعوبات في الحركة والكلام، فقد كانت تحتاج للمساندة خلال المشي نظراً لاعتلال الاتزان لديها وعدم التحكم الطبيعي في حركة الأطراف، ولكنها كانت محظوظة بدرجة كبيرة لعدم تأثر مستوى الذكاء لديها وعملية الإدراك.. حيث كانت تتمتع بذكاء خارق ورقة الإحساس وشفافية التنبؤ، وتتمتع ببعض المواهب لعلي لم اكتشفها إلا متأخراً.. وكأن الله عز وجل يوهب هؤلاء شيء مميز ليعوضهم بعض النعم التي افتقدوها.. فيبدوا أن بعد كل دمعة هناك إبتسامة، فما نتصور أنه ابتلاء وعقاب قد يكون هدية وجائزة، ربما لا تمنح لنا في البداية، بل نكتشفها في مرحلة متأخرة من تخطي الأزمة.
ولعل كثير منا لا يعلم شيئاً عن هذا المرض، حتى وسائل الإعلام لم تلقي عليه الضوء الكافي، على الرغم من أن هناك تزايد في نسبة الحالات التي تعاني من الشلل الدماغي (أو الشلل المخي)، كما يطلق عليه البعض.. فلقد عرف العلماء الشلل الدماغي بأنه اضطراب في حركة الجسم نتيجة لإصابة الدماغ (غير مكتمل القشرة) بعيب ويظهر ذلك بصورة اضطراب وقصور في أداء وظيفة الاعصاب وحركة العضلات. كما أن هناك درجات لتلف الدماغ أو المخ (الجزء المصاب من الجمجمة) ربما تكون خفيفة أو متوسطة أو شديدة ، ولكنها لا تتغير بنمو المخ ولكن الذى يتغير هو الإصابة الحركية التى تختلف فى مظهرها خلال مراحل تكوين المخ.. وقد يحدث هذا خلال تعثر الولادة ونقص وصول الاكسيجين للمخ، وينتج عن ذلك تلف لبعض الخلايا المسئولة عن الوظائف الحركية بعضلات وأعصاب طرف واحد بالجسم أو اثنين أو ثلاث أو أربع، كما يتأثر الاتزان في الوقوف والمشي وتختلف درجته من حالة لأخرى. وهناك أيضاً بعض الحالات التى تتأثر فيها أحد الحواس الخمس بدرجة ما، ومن أغلبها تكون القدرات الكلامية أو الإدراكية، وأحياناً قد تؤدي الإصابة إلى حدوث مشاكل في التواصل والتعلم، وأيضاً تختلف درجته من حالة لأخرى، بحسب درجة تلف الخلايا بالجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحزم العصبية)، ومدى إصابة مناطق مهمة من هذا الجهاز، مثل قشر المخ (الدماغ)، العقد العصبية القاعدية Basal ganglion  ، المخيخ Cerebellum .. ولذا أحياناً يطلق عليه الشلل المخي، حيث تشير كلمة cerebral   إلى المخ، وهو الجزء المصاب من الدماغ، أما كلمة palsy فتشير إلى الاعتلال المرتبط بالحركة.
والحقيقة أنني لست طبيبة، بل حرصت على جمع بعض المعلومات عن هذا المرض المزمن بهدف إلقاء الضوء وجذب الاهتمام بالمصابين (الأطفال منهم والكبار) بهذا المرض، وحث المؤسسات الحكومية والأهلية المختلفة لتقديم الرعاية والخدمات المناسبة والدعم اللازم لمثل هؤلاء المرضى وأسرهم التى تكون في أشد الحاجة للدعم، وخاصة إذا ما كانت هذه الأسر تعاني من درجة عالية من الفقر على المستوى المادي والمستوى الثقافي.. حيث لا يفى بالغرض برنامج ما يعرض في أحد القنوات من أجل استعطاف الناس لجمع بعض التبرعات.. ثم بعد ذلك تترك القضية بين أيدي أولياء أمور تلك الحالات، يعانون ما يعانون من التوهان والتخبط بين آراء الأطباء والذهاب من مكان لآخر.. ليس فقط التخبط، بل يصل الأمر إلى الإذي النفسي الضار بدرجة ما على نفسية الأباء والأمهات، وأيضاً نفسية الطفل ذاته.. فبعض الأطباء والمعالجين لا يراعون الرفق في توضيح الحالة الصحية، ويبخلون ببعض الوقت لدعم المريض وتوجيه أسرته لسبل التعامل مع الحالة وشرح الخطوات العلاجية والتأهيلية المطلوبة.. بل والبعض منهم يبث اليأس في القلوب نظراً لأنه يؤمن بنظرية الطريق المسدود وأصدار الحكم بالموت. هذا علاوة على التكاليف المادية التي يتكبدها أهل المريض بإصابات مزمنة، حيث يحتار الأهل بين رأي طبيب وآخر، فهناك طبيب يرى أن الحالة لا تستحق أي رعاية علاجية أو تأهيلية، والبعض الآخر لا يقدم أسلوب العلاج المناسب لهذه الحالات، بل يظل ينصح ببعض الإجراءات العلاجية، التي ربما تكون مؤقتة وغير مجدية، مستهدفاً بذلك تحقيق بعض النفع المادي فقط لا غير.
ولتحرى المصداقية الكتابية لهذا المقال، فأنني كما قلت لست طبيبة، كما أنني لست أماً، ولم أكن يوماً ما، بل أنا ابنه لهذه الأم، عاصرت آلامها وعذابتها في رحلتها مع ابنتها المريضة بهذا المرض المزمن، ومعاناتها مع العديد من الأطباء والمختصين، كان منهم من يتمتع بقلب كريم وتفهم متعاطف، وكان منهم من يعاني من غلظة القلب وبرود الاهتمام وانعدام التعاطف.. ولعلها تكون إشكالية عامة سائدة يعاني منها أصحاب الأمراض الصعبة المختلفة، وليس فقط أصحاب مرض الشلل الدماغي.
فليكن هذا المقال بمثابة دعوة لتفعيل الاهتمام بأصحاب هذا المرض المزمن لمساعدتهم للمرور بأزمتهم وتأهيلهم اجتماعياً ونفسياً وجسدياً ووظيفياً – كلً حسب حالته الحركية والذهنية، وجعلهم فئة منتجة مندمجة في المجتمع، فئة غير مهمشة، غير مهملة عمداً بحجة الشفقة والرحمة بحالهم.. فلعلنا نكون نذبحهم ونقتلهم في اليوم أكثر من مرة بسبب تعليقتنا الجارحة أحياناً، وبسبب شفقتنا الزائدة عليهم من أي تعب أو مشقة أحياناً أخرى.. وبذلك نحرمهم من أي مشاركة في الحياة، ومن فرصة بناؤه كمواطن صالح يفيد نفسه ويساهم في بناء وطنه، ربما بدرجات أقل من الأشخاص الطبيعيين، ولكن ربما أيضاً يكون لديهم مواهب وملكات خاصة..
-------------------------------------------  
*  دكتورة نهلة أحمد درويش       
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع  

هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك

URL: HTML link code: BB (forum) link code:

.

فيديو الوطن العربى

من قصيدة " شمس الهدى" للشاعر علاء الدين سعيد لقطة للشاعر/ علاء الدين سعيد ، خلال ثورة 25 يناير 2011 بكاميرا الشاعر/ علاء الدين سعيد ، فى ثورة 25 يناير 2011 مجموعة الفنانين - الوطن الاكبر
فيديو 5 فيديو 6 فيديو 7 فيديو 8
ضع كود الفيديو5 هنا ضع كود الفيديو6 هنا ضع كود الفيديو7 هنا ضع كود الفيديو8 هنا
فيديو 9 فيديو 10 فيديو 11 فيديو 12
ضع كود الفيديو13 هنا ضع كود الفيديو14 هنا ضع كود الفيديو15 هنا ضع كود الفيديو 16هنا
ضع كود الفيديو9 هنا ضع كود الفيديو10 هنا ضع كود الفيديو11 هنا ضع كود الفيديو 12هنا

أسرة الصحيفة و المنضمون اليها