العنف الأسري لايزال يفرّق بين الأزواج
العنف الأسري لايزال يفرّق بين الأزواج
الوطن العربى اليومية - لها
رغم الحملات المتوالية في جميع أنحاء العالم، والتي تطالب بإنصاف المرأة، وتلبية حقوقها التي حُرمت منها عبر القرون المتعاقبة، وتدعو لحمايتها من عنف الرجل سواء كان زوجاً أو أخاً أو أباً، أو حتى واحداً من الأقارب، فإن هذا العنف لايزال قائماً في كل مكان بأشكاله القديمة والجديدة، وما يظهر منه ويصل إلى المحاكم هو أقلّ بكثير من ذلك الذي لا يسمع الناس به، فعدد كبير من النساء يفضّلن السكوت على ما ينالهن من أذى من أجل صيانة سمعة العائلة، والقليلات منهن، يسلكن طريق المواجهة والتحدّي، فنتعرَّف إلى قصصهن التي تكشف لنا هذا العالم الرهيب الذي تحاول «لها» أن تضيء جانباً منه في هذا التحقيق.
ما هو العنف الأسري؟
يعرف أستاذ علم الاجتماع الدكتور سعيد المصري العنف بأنه: صور الايذاء البدني والمعنوي الموجّه لشخص في الأسرة، هو المرأة في الغالب، وعليه فالعنف هو الايذاء البدني على هيئة الضرب والإصابة، والمعنوي على هيئة النبذ والاحتقار والتجاهل، والسبّ، وإثارة الإحساس بالدونية، وهذا اعتداء صامت، يتدرّج بعد ذلك إلى لفظي في شكل الاهانة والسبّ، إلى أن يصل إلى حد الضرب وشد الشعر والإصابة.
ويؤكّد الدكتور سعيد المصري على أن العنف موجود في كل الطبقات الاجتماعية وإن اختلفت صوره المتعدّدة، ولكن أشكال العنف البدني موجودة أكثر في الفئات الأدنى. وعن إمكان مساهمة القانون في تغيير سلوك العنف ضد المرأة داخل نطاق الأسرة، يقول الدكتور سعيد المصري: القانون يكون مجدياً في حالة الضرب المبرح لأنها تكون هنا جريمة لكن الأهم من القانون أن ننشر وعياً كاملاً بين الرجال لعدم استخدام العنف ضد المرأة وهي مسؤولية يجب أن يشارك فيها المجتمع كله.
أين القانون؟
لا يقتصر العنف الأسري ضد المرأة على الضرب فقط، ولا يقتصر أيضاً على الطبقات الدنيا في التعليم والمستوى الاجتماعي، بل يلجأ إليه مثقفون يفتقدون الثقة بالنفس، هذا ما أكّدته الدكتورة ماجدة عدلي رئيس مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي في القاهرة. وتضيف: يقدم المركز المساعدة النفسية والقانونية للنساء المعنفات، في جميع الطبقات الاجتماعية، ومن الخطأ أن يعتقد البعض أن ضرب النساء لا يتم إلا في الأوساط الفقيرة فقط، بل يتم في الطبقات العليا. ويرجع ذلك إلى أننا مجتمع يتعامل مع المرأة على أنها ملكية خاصة للرجل، فالأم تربي ابنها على انه رجل الأسرة ويحق له تأديب أخته الكبرى أو الصغرى. وتضيف رئيسة مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي الدكتورة ماجدة عدلي: نطالب بمشروع قانون تقدمنا به إلى مجلس الشعب، بأنه إذا كان الضرب في الشارع جريمة يجب أن يكون كذلك داخل المنزل.
قانون جديد قد يلزم الرجل بالتردّد إلى مركز للتأهيل لمعرفة كيفية التحكّم بغضبه
المحامية في منظمة «كفى عنف واستغلال» ليلى عواضة والعضو في اللجنة المشرفة على إعداد وصياغة مشروع قانون لبناني لحماية النساء من العنف تتحدث عن مراحل صياغته فتقول: «إن مشروع القانون تمّ تمويله من الإتحاد الأوروبي ضمن برنامج «أفكار2» وبإشراف من وزارة التنمية الإدارية. بدأنا المشروع في تموز/يوليو 2006 وذلك بإعداد مسودة القانون وإختيار اللجان لصياغته بطريقة متكاملة، وقد إخترنا أشخاصاً معنيين مباشرة بالموضوع، كالقاضية هيلين إسكندر رئيسة «محكمة الجنايات» في بيروت -حيث تمر كل ملفات قتل النساء، والقاضي جون القزي رئيس «محكمة الأحوال الشخصية» في منطقة جديدة المتن وهو أيضاً قد شهد نزاعات زوجية عديدة ويعرف المشاكل التي تواجه المرأة وتحجب عنها حقوقها والقاضية جويل فوّاز التي إنتدبتها «هيئة الإشراف والتشريع» في وزارة العدل التي تعتبر ممراً أساسياً قبل وصول مشروع القانون إلى مجلس النواب، كما أشركنا قوى الأمن في صياغة القانون وذلك بإنتداب الرائد إيلي أسمر لتمثيلهم باعتبارهم الجهة التنفيذية للقوانين. إضافة إلى مشاركتي وزميلتي المحامية دانيال حويك من منظمة «كفى عنف وإستغلال».
ولممارسة نوع من الضغط لإقرار هذا القانون كان من الضروري إشراك جميع شرائح المجتمع تقول عواضة، فهم في المنظمة أنشأوا وجمعيات عدة تحالفاً وطنياً لتشريع القانون وذلك «بعدما تمّت مناقشته مع أعضاء التحالف لوضع العديد من الملاحظات. وبعد الحصول على الصيغة النسائية لم نجد مناسبة أفضل من «يوم مناهضة العنف ضد المرأة» في 25 تشرين الثاني/نوفمبر لننطلق بالحملة المطلبية». وعن تحرّك التحالف تجاه إقرار المشروع تشرح عواضة: «عملنا بالتوازن مع الجمعيات وأصحاب القرار أي الحكومة. ويتولّى وزير العدل كونه الجهة المختصّة بهذه الأمور حالياً مشروعنا. ونحن متفائلون على صعيد الحكومة ونأمل إقرار القانون قبل إنتهاء ولايتها. وعن الفتيات اللواتي قد يتعرّضن للعنف في كنف العائلة إنطلاقاً من كونه «جزء من التربية الممكنة» تقول المحامية ليلى عواضة: «تطبّق أحكام هذا القانون على أي فعل عنيف ممارس ضدّ الإناث أي قائم على أساس الجنس من قبل أحد أفراد الأسرة ويترتّب عليه أذى أو معاناة للأنثى على ألاّ يتعارض ذلك مع قانون 433 المتعلق بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر الذي ناقشنا مع القاضي رالف الرياشي الذي يعمل حالياً على قانون جديد مع المجلس الأعلى للطفولة لحماية الأطفال من إساءة المعاملة وقد توصّلنا إلى أن الفتاة التي لم تبلغ سن الـ18 قد تكون متزوجة وقد تتعرض للعنف (ضرب، تحرش، إغتصاب..) وتسلب حقوقها (نفقة، عزل، حضانة..) وهي لا يشملها قانون الأحداث».
من جهة أخرى تسلّم المحامية عواضة أن العنف قد يكون سببه الجهل القانوني: «في الكثير من الأوقات تكون السيدة المعنفة ضحية الأذى نتيجة جهلها للقانون، كذلك الرجل وهذا لمسته من خلال الأسئلة التي تطرح علينا وخوف الأمهات من أن يحرمن أطفالهن، فهن يجهلن أن القانون يكرس حق رفع دعوى مشاهدة وإصطحاب وبالتالي تهديد الأب غير شرعي». وعن كون الخطأ أو اللغط الحقوقي كامناً في غياب القانون أم تطبيقه والعثرات التي تواجه المرأة تقول: «العرف الإجتماعي منح الرجل سلطة لا يملكها قانونياً فهو يتفاجأ لدى ذهابه إلى المحكمة فقط لأن القانون اللبناني لا يحوي مادة تجرم العنف الأسري. وحين تلجأ السيدة إلينا نطلعها على حقوقها وكيفية تحركها في التوقيت المناسب، فمن تعاني وضعاً قانونياً سيئاً نعمل على إنجاز ملفّ لها في المرحلة الأولى لتعزيز موقفها القانوني لتحديد خياراتها، ولكسب حضانة أطفالها مثلاً.
كما أننا نقدم إستشارات ومساندة قانونية حتى لو لم تشأ السيدة رفع دعوى أو تقديم شكوى ضد زوجها أو أحد أفراد أسرتها». وتشير إلى أنهم يواجهون في العمل «معوقات عديدة، أوّلها عدم الإستقلالية المادية والأعباء المالية التي ستتكبدها السيدة في المحاكم وغياب مكان آمن تلجأ إليه السيدة كما في البلدان المتحضرة، كذلك الخصوصية والخوف من أن تشاع سيرتها على لسان الجيران والمحيط، كما أن الوساطة من قبل المقربين حاضرة بقوة في المجتمع اللبناني والتي «تقزّم» حقوق المرأة وتدفعها إلى صرف النظر عنها والتنازل وإصلاح الوضع المتأزم وهذا يعيق الخدمة القانونية». وعن هذه الأخيرة تقول عواضة: «إن مشروع القانون مقسم إلى جزءين: حماية وردع.
ستُشعر الحماية النساء بالأمان وهي خطوة وقائية قبل اللجوء إلى الشكوى قد تتخذها السيدة بمجرّد أن تكون تحت تهديد العنف، وهي إنذار في حال تم خرقه فذلك يحتم على المعتدي أن يترك المنزل أو ان يؤمن لزوجته سكناً كما أنه قد يلزم بقرار من القاضي (حسب درجة العنف) أن يتردد إلى مركز للتأهيل من العنف لمعرفة كيفية إدارة غضبه أو حتى السجن عند مخالفة القانون.
أيضاً سيكون بإمكان السيدة المحافظة على خصوصيتها السرية العائلية في وجود مدعٍ عام أسري بديلاً عن المخفر، سيكون في خدمة السيدة جهاز خاص من قوى الأمن الداخلي في المناطق كافة وهذا سيتمّ تنسيقه مع وزارة الداخلية. كما أنه بات بإمكان أي شخص تحريك شكوى عن طريق الإخبار والإتصال بالدرك عند سماع أو رؤية أي إمرأة تتعرض للعنف خلافاً للسابق حين كان الدركي إذا رأى المرأة يسيل من فمها الدم أو على وجهها آثار كدمات ونكرت تعرضها للضرب يتراجع لكنه الآن هو ملزم بفتح محضر». وعن كون المحاكم الشرعية والروحية غير مزودة بقانون صريح الملامح بشأن المعنفات داخل الأسرة تقول المحامية عواضة: «المحاكم الشرعية والروحية لا تقدر أن تبت كلياً في موضوع العنف داخل الأسرة فإختصاصهم هو الطلاق أو الفسخ أو الهجر أو حق الحضانة والوعظ. والعنف في حالات معينة قد يكون قرينة للحصول على الطلاق، عملنا كمنظمة هو خارج نطاق هذه المحاكم ومشروع القانون الجديد يسدّ ثغراتها دون وجود أي تعارض في المهام».
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: