الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : والله أعـلم ..
الوطن العربى اليومية - القاهرة ..
الكثير منا لا يتحلى بثقافة "والله أعلم".. الكثير منا يدعي الفهلوة والفهم لكل شيء، يطلق فتواه في أي موضوع حتى ولو كان بعيد كل البعد عن خبراته المعرفية ومرجعياته العلمية.. فكثيراً ما نتعرض لمواقف في الحياة، نقابل إناساً لأول مرة ولا تربطنا بهم أيه صلة، ونجدهم يتمتعون بثقافة "الحشرية" أو التدخل في شئون الغير دون سابق إنذار.. ملثما يحدث عندما يكون هناك حديث أو مناقشة واقعة بين اثنين في محل أو في أي وسيلة مواصلات أو غيره، ثم نجد شخص آخر يتدخل، ثم يتدخل آخر، ثم أخر، كلً يدلي برأيه الذاتي الخاص، دون أن يعلم شيئاً عن أصل وحقيقة الموضوع الذي كان يدور بين الاثنين أصحاب الشأن..
الغريب أننا نعشق ثقافة الفتوى و"حشر الأنف" في أي موضوع، نعشق النبش في حكايات الآخرين والسعى وراء جمع أخبارهم ونقل روياتهم.. نتعصب للدفاع بشدة وغضب عن رأينا الشخصي المبني على أحكام ذاتية، ونظل نفتي في أي موضوع خاص بالسياسة أو الاقتصاد أو الدين أو أحوال البلد أو أحوال المحيطين بنا.. أو حتى في الطب وفي تشخيص المرض ووصف العلاج، وبالتوصية بالذهاب إلى شيخ ما أو عرافة ما خاصة عند التعامل مع حالات المرض النفسي..
وعلى الرغم من علمنا الوثيق بأننا لم نحصل على القدر الكافي من المعرفة والعلم.. وعلى الرغم من حقيقة تفشي الجهل بين معظمنا، حتى بعد اجتياز مرحلة تعليمية ما.. نظل نفتي بالرأي والنصائح والكلام في أي موضوع وعن أي شيء.. دون بذل أي جهد يذكر للبحث والإطلاع عن حقيقة الأشياء، حتى مع توافر وسائل البحث الإلكترونية في الوقت الحاضر.. وحتى نظامنا التعليمي نجد أنه لا يشجع بأي حال من الأحوال على تطوير أفراد ذو اهتمامات بحثية علمية، أو حتى شخصيات محبة للإطلاع والقراءة وطلب المعرفة بفروعها المختلفة..
ولعل التقصير هنا لا يأتي من قبل الدولة فقط.. فالأسرة والجماعة المحيطة لهما دور فعال ومؤثر في وجود هذا التقصير.. حيث نعيش في الزمن الحالي داخل أوساط اجتماعية مختلفة.. الأسرة، المعارف والأصدقاء، زملاء الدراسة والعمل، علاقات وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية.. إلخ.. كل هذا يؤثر في تشكيل وعينا الثقافي والتوعوي.. والشخص الذي يكون محظوظ بالقدر الكافي، هو الشخص الذي يتواجد وسط بيئة ثقافية معرفية تمده بالمعلومات والخبرات الإيجابية النافعة، ولا تمده بالمعلومات والخبرات السلبية المدمرة..
من بين الوسائط الناشرة للخبرات السلبية تلك التي تسعى لنشر ثقافة القشور والاهتمام بتوافه الأمور.. أو ثقافة الارهاب ونمو نزعة العنف والتدمير، أو ثقافة الجريمة وسفك الدم بالدرجة التي ارتفعت معها الاستهانة بالروح الإنسانية.. أو ثقافة السبوبوة والرشوة والتصديق بأن من يفعلها شاطر وفهلوي ويجاري متطلبات زمنه القاسي.. أو ثقافة اللهث وراء الدروس الخصوصية وإصرار الأهالي على حصول أبنائهم على كم لا بأس به من الدروس الخصوصية لإجتياز المراحل التعليمية المختلفة، رغم مساعي الدولة للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية.. أو ثقافة الكسل والرخوية والإهمال وعدم اتقان أي عمل.. أو ثقافة البطالة والاتكالية وعدم الرغبة في التوظف أو أداء أي عمل مهني يعتبر من وجه نظر البعض أنه عمل لا يحقق له الوجاهة الاجتماعية للتباهي بين أقاربه وأصدقاءه.. أو ثقافة الحشرية واللت والعجن والفتوى في كل شيء، تلك الثقافة التي لا تحاول أبداً الأخذ بمبدأ "والله أعلم".. فمهما بلغنا من العلم والمعرفة، فهو بالتأكيد بمثابة قطرة في بحور من علم الله العزيز القدير..
فضيلة الشيخ د/ علي جمعة بكل علمه الوفير ودرجته العالية في تفقه في الدين، لا يخجل أبداً من أن يقول "والله أعلم" عندما يسأله شخص في قضية ما أو مسألة ما.. فهو يعلمنا بقمة في الروعة والتواضع، أننا مهما بلغنا من معرفة وتخصصية في العلم، فقد يغيب عن وعينا حقائق كثيرة، وأننا مازلنا نجهل معارف كثيرة واكتشافات عديدة.. ويمدنا فضيلته من خلال برنامجه الرائع بالعلم النافع وبالمعلومات والخبرات الإيجابية الشاملة لكافة مناحي الحياة الإنسانية وشئون الفرد الحياتية.. وينتابني التعجب والإعجاب عندما أسمع فضيلته يتطرق للحديث عن أشياء في حياة الحداثة التي نعاصرها حالياً.. ليثبت بذلك أن الشخص المسلم مواكب لتطورات عصره، متحضر ومتعايش بتسامح مع الظروف المستحدثة التي تسبب كثير من التخبط والبلبلة لمعظم الأشخاص المعاصرين لها..
فيا ليتنا نتبع منهج هذه الثقافة، "ثقافة والله أعلم" في حياتنا وأسلوب تفكيرنا وتعاملنا مع الأخرين.. فمع اتباعنا لهذه الثقافة سوف تنفادى كثير من المشاحنات والمشاكل والدخول في ضغائن نفسية، ومشاحنات حزبية ونزاعات عصبية، وحروب بين جماعة وأخرى أو بين شخص وأخر.. ويا ليتنا نهتم بتطوير معارفنا ومداركنا من اهتمامنا بقليل من الإطلاع والقراءة لتكوين فهم متعمق بعض الشيء قبل إبداء رأينا الشخصي فيه.
==================
كاتبة المقال الكاتبة المصرية الدكتورة نهلة درويش - دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: