الدكتور عادل عامر ، يكتب : العلاقات المصرية الإثيوبية عبر التاريخ ..
الدكتور عادل عامر ، يكتب : العلاقات المصرية الإثيوبية عبر التاريخ ..
الوطن العربى اليومية - القاهرة ..
شهدت العلاقات المصرية الإثيوبية العديد من المراحل بدءًا من خلافات إلى تعاون إلى صداقة وتتطورت العلاقات وتنامت حتى وصلت إلى مرحلة تعاون متبادل بين البلدين. ومرت على العلاقات الثنائية بين البلدين عدة مراحل هامة سواء كانت في العلاقات السياسية أو الزيارات المتبادلة أو على المستوى التجاري أو على مستوى الاتفاقات بين البلدين.
أن العلاقات المصرية الإثيوبية كانت قوية بين عبد الناصر وهيلاسلاسى إضافة إلى ارتباط مسيحيى أثيوبيا بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية ولكن ظهرت الخلافات فى الفترة الأخيرة بسبب المياه ورغبة إثيوبيا فى بناء العديد من السدود التي ستحلق الضرر بمصر وحتى الآن لم تقم إثيوبيا بتقديم أى معلومات عن السدود وقدرتها على التخزين لان إثيوبيا لعبت دوراً كبيراً فى التحريض على التوقيع المنفرد على اتفاقية إعادة حصص المياه مع دول المصب وهى محاولة لعزل مصر لأقصى الشمال وإضعاف موقفها لان فى الفترة السابقة كانت مصر تتحدث عن التعاون بين الطرفين بينما كان زيناوي يتحدث عن التصعيد مما دل على شدة التوتر. من المعروف أن الجانب الأكبر من تصرفات النيل (85%) تجود به هضبات أثيوبيا ومن هنا فإن إثيوبيا وبقية دول حوض النيل هي العمق الإستراتيجي لمصر، وقد حرصت مصر على طلب بيانات وافية من أثيوبيا كلما أتجه تفكير الأخيرة فى إقامة خزان أو سد على بحيرة تانا أو النيل الأزرق رغم أن بعض الدراسات أكدت أن إثيوبيا لا يمكنها التحكم فى تدفق المياه خلال أراضيها بل أن إقامة أي مشروعات على بحيرة تانا من شأنه أن يزيد من حصة مصر من مياه النيل ولن يكون له أي ضرر على تدفق النهر إليها.
وقد اتخذت مسألة تنظيم مياه النيل وحقوق مصر فيها أو مشروعات أثيوبيا لتحويلها أو الاستفادة منها معنى من معاني الضغط على مصر وقد لعبت القوى الأجنبية دورا فى تأجيج هذه الخلافات، ومما يذكر أن لاتفاقية التي تحكم تنظيم مياه النيل بين أثيوبيا ومصر قد أبرمت فى 1902 وتقضى بالا تقوم أثيوبيا ببناء أي سدود أو خزانات على بحيرة تانا أو النيل الأزرق من شأنها أن تؤثر على تدفق مياه النيل إلى مصر وقد أعلنت أثيوبيا تنصلها من هذه الاتفاقية بحجة أنها أبرمت فى ظل أنظمة استعمارية.
وفى أواخر السبعينات كان موضوع محاولة استخدام مصر لمياه النيل فى شبه جزيرة سيناء ومحاولة أثيوبيا إقامة سد على النيل بمساعدة سوفيتية عاملا من عوامل التوتر بين البلدين الأمر الذي أدى إلى تصاعد الحملات الإعلامية المضادة لمصر فى وسائل الإعلام الأثيوبية. ولاحتواء مثل هذه الأزمات ترى مصر أن بناء خزان على النيل أو شق قناة أو مشروع ري هام فى واحدة من دول الحوض التسع (مصر - السودان - أثيوبيا - تنزانيا - رواندا - كينيا - أوغندة - زائير) يستدعى التشاور فيما بينها وموافقة بقية الشركاء لضمان مصالح الجميع، ومن أجل استمرار الوئام وعلاقات حسن الجوار فيما بينها. وختاما إذا كان التقارب المصري الأثيوبي الذي انعكست أثاره على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل إلى 55 مليون دولار فإنه فى نفس الوقت سيساهم فى تخفيف حدة التوتر بين أثيوبيا والصومال، وقيام علاقات تعاون بين أثيوبيا والسودان التي أعلنت إيقاف جميع أشكال المساعدة العسكرية إلى الأرتيرين الأمر الذي يقود إلى إيجاد علاقات تعاون بين أثيوبيا والسودان ومصر من شأنها تحقيق الاستفادة القصوى من مياه النيل التي من المؤكد أن كميات هائلة من مياهه تضيع سدى فى وقت تكتوي فيه دول القارة الأفريقية بنار الجفاف. في ظل هذه المتغيرات، تحرص إثيوبيا علي إبراز دورها كقوة إقليمية قادرة علي خدمة المصالح الأمريكية - الغربية في القرن الإفريقي والشرق الأوسط، لا سيما المصالح الخاصة بمحور واشنطن - تل أبيب، مع العمل في الوقت ذاته علي استثمار المنافسة بين أقطاب النظام الدولي في خدمة المصالح الوطنية الإثيوبية. وقد سبق لإثيوبيا أن أدت هذا الدور بنجاح أكثر من مرة.
فاستفادت في عهد هيلاسيلاسي من المساعدات الأمريكية السخية، التي قدمتها واشنطن بهدف موازنة النفوذ السوفيتي في القرن الإفريقي والشرق الأوسط. ثم ارتبطت في عهد مانجستو (1974-1991) بالاتحاد السوفيتي، الذي وجد فيها آنذاك بيئة خصبة لنشر الفكر الماركسي، مقارنة بالصومال ذات النزعة الدينية القومية. ثم عادت لتغير وجهتها شطر واشنطن، مع وصول نظام الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا بقيادة ميليس زيناوي إلي سدة الحكم عام 1991. انطلاقا من هذه المحددات، تحرص إثيوبيا علي ضمان وتعظيم مصالحها الوطنية، التي يأتي في مقدمتها: الحفاظ علي وحدتها وسلامتها الإقليمية، وتأمين منفذ مباشر علي البحر الأحمر، والاستفادة من الموارد المائية المتاحة لديها، وإصلاح أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، وتدعيم دورها كقوة إقليمية، بما يتناسب مع ميراثها التاريخي والحضاري. وفي هذا الإطار، تثور قضيتان متكاملتان، أولاهما تتعلق بمدي التزم النظام الإثيوبي بالمبادئ المعلنة لسياسته الخارجية، وترتبط الأخرى بأثر المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية في سلوك السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه القضايا الراهنة في إقليم الشرق الأوسط، وفي مقدمتها: الأزمة المائية في حوض نهر النيل، ومحاربة الإرهاب، والمسألة السودانية، والبرنامج النووي الإيراني، والصراع العربي - الإسرائيلي، وأخيرا الثورات العربية الراهنة. وفى كل الأحوال لابد لمصر أن تتوجه للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي عموما، بحملة علاقات عامة دولية بشأن حقوقها فى مياه النيل والاعتماد الكامل والمطلق لحياة البشر والزرع والثروة الحيوانية فى مصر على كل قطرة تصلها من مياه النيل. وتأكيد أن تلك الحصة لم تعد كافية بما يضطر مصر للاعتماد على مياه الصرف المعالج وعلى النزح الجائر من مياه الآبار. وينبغي أن تشمل تلك الحملة، رؤية مصرية واضحة للكيفية والحدود التي يمكن لإثيوبيا أن تمارس من خلالها حقها فى توليد الكهرباء من مساقط المياه على روافد النيل، دون الإضرار بالحقوق المصرية والسودانية. كما أن حملة العلاقات الدولية يجب أن تتضمن خطة مصرية واضحة وشاملة للتعاون مع إثيوبيا فى مجالات الزراعة والمياه والثروة الحيوانية والسمكية والتصنيع الزراعي. ويجب أن يكون واضحا لإثيوبيا ولجميع دول حوض النيل أن كل قطرة من حصة مصر من مياه النيل تساوى حياة فى مصر، و بالتالي فإن مصر ليس لديها ترف الاستغناء عن اى قطرة وستستخدم كل مالديها من أجل الحفاظ على حقوقها سلميا، ونأمل ألا تدفع إثيوبيا الأمور فى اتجاهات عدائية أو غير سلمية لأن الأمر سيكون وبالا على منطق أخوة النهر، وفى كل الأحوال سيكون على الدولة المصرية أن تحمى الحقوق المائية المشروعة للشعب المصري.
==============================
كاتب المقال : الدكتور عادل عامر - دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية .
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: