الدكتور جمال مصطفى سعيد ، يكتب : المادة 23 من الدستور ، وأزمة البحث العلمي في مصر
الدكتور جمال مصطفى سعيد ، يكتب : المادة 23 من الدستور ، وأزمة البحث العلمي في مصر
ورد في المادة 23 من مسودة الدستور أ الدولة تكفل حرية البحث العلمي وتشجع مؤسساته باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة وترعي الباحثين والمخترعين وتخصص له نسبة من الانفاق الحكومي لاتقل عن 1٪ من الناتج القومي تتصاعد تدريجيا حتي تتفق مع المعدلات العالمية.
وبداية كان بودي ان تستبدل كلمة ترعي بكلمة تشجع في الفقرة الأولي لأن رعاية الدولة تحمل في طياتها التزاما بتنمية قطاع كان مهملا لسنوات طويلة.
...وبعد إقرار الدستور في منتصف الشهر القادم سوف يعلو صوتنا ، وسوف نناقش هذا الموضوع المهم بصورة أكثر جدية وإيجابية لأن الحديث عن البحث العلمي في مصر وبصراحة لا يسر...وإذا نظر صاحب القرار حوله لا يجد بحوثا علمية أو تكنولوجية مصرية مؤثرة أو عقولاً تعتبر بحق صناعة وطنية خالصة 100 ٪ ليتباهي بها.
إن مسألة البحث العلمي لدينا تحتاج الي معالجة من الجذور وليس فقط إصلاحات مظهرية وإلا فإننا لن نجد لنا مكانا لائقا في هذا العالم المتسارع بقوة الي الامام ، ويكفي أن نعرف أن متوسط الإنفاق السنوي للدول العربية بما فيها مصر علي البحث العلمي كان لا يتجاوز 0.2 ٪ من إجمالي الموازنات العربية وهو يمثل أقصي درجات الدنو مقارنة بباقي دول العالم ، فهو في أمريكا مثلا 3.6 ٪ و في إسرائيل 2.6 ٪ ( أكثر من 13 ضعف ماهو مخصص لذلك في مصر حتي يتم إقرار الدستور الجديد) وفي كوريا 2.7 ٪ ونتج عن هذا أن المنشور من الأبحاث العلمية للعلماء العرب يبدو محدوداً للغاية وعدد الكتب العربية المنشورة سنوياً منخفض أيضاً فضلاً عن أن ما يترجم منها إلي لغات أخري محدود جدا ، ولم يضف العرب - بما فيهم مصر - إلي البشرية شيئا ذا بال خلال ال 60 سنة الماضية.
وبعد إلزام الدولة بتخصيص 1 ٪ من ميزانية الدولة للصرف علي البحث العلمي فسوف نكتشف ان هذا لايكفي واننا في واقع الأمر في حاجة الي تخليق منظومة وطنية مصرية للبحث العلمي تمثل قاعدة عمل لعلماء الداخل ومصدر جذب لعلماء مصر في الخارج، ولاتغني البعثات العلمية إلي الخارج عن ذلك ، ففي دراسة صادرة عن جامعة الدول العربية منذ 7 سنوات وجد أن 54٪ من طلاب البعثات لا يعودون مرة أخري للبلاد لغياب المنظومة والجو العلمي.. هذا المناخ أدي إلي هروب الكفاءات المصرية للخارج رغم ان وطنهم في حاجة ماسة إليهم، أي أن مصر لا تخسر عقولاً و كفاءات فقط وإنما تتكبد أيضاً خسائر مادية.
وإن جاز لنا أن نقترح رؤية وطنية حقيقية لأزمة البحث العلمي في مصر بعد ثورة 30 يونيو فلتكن بدايتنا هي إصلاح حال التعليم الجامعي، فيجب ألا نفرح بمئات الألوف ممن يحملون درجات علمية عليا ولكنهم في الحقيقة لا يقدمون شيئ ملموساً لوطنهم ولا يضيفون إلي العلم شيئا ، فقد أصبحت الدرجة العلمية هي مظهر من مظاهر الوجاهة الإجتماعية ولاشيء بعد ذلك، ففي مصر أعداد كبيرة من العاطلين يحملون مؤهلات عليا ولا يمكنهم الإنخراط في أي عمل دون المرور في عملية إعادة تأهيل وفقاً لإحتياجات سوق العمل وكذلك التدريب علي بعض المهارات المطلوبة.
ويجب الإلتفات أيضا الي قواعد العمل في لجان الترقيات التابعة للمجلس الأعلي للجامعات والتي بقواعد عملها تهتم بشكل الأبحاث دون النظر الي مضمونها أو حاجة المجتمع الي ماورد فيها يضاف الي ذلك أن معظم الأبحاث الخاصة بتطوير التعليم ما زالت حبيسة أطر جامدة لا تتجاوزها والعالم يجري حولها ويظل سابقاً لها لأن التعليم في النهاية ليس فقط هو الأبنية الشامخة أو القاعات الرخامية ولكنه شيء آخر يغرس »قيمة التعلم«لدي الأجيال الجديدة ويعطيها مفاتيح المعرفة. يجب أيضا ان تكون لنا نظرة أستباقية لنعبر الفجوة القائمة بيننا وبين العالم المتقدم.. الخ.. لماذا لايكون لدينا أبحاث مشتركة مع علماء أجانب من ذوي الشأن؟ لماذا لا يطبق نظام الإشراف المشترك في رسائل الماجستير والدكتوراه؟ لماذا لا يشترك عالم أجنبي مرموق في لجان ترقية الأساتذة المساعدين والمدرسين وفي تحكيم جوائز الدولة وجوائز الجامعات والإشراف علي الدوريات العلمية المحلية لفترة ولتكن 5 سنوات مثلا...لماذا لا يتم عمل اتفاقيات مع جامعات ومراكز بحثية متميزة في الخارج لتبادل الخبرات البحثية وأساليب التقييم الدوري والتطوير؟ لماذا لا يتم ربط البحث العلمي مع المؤسسات الوطنية العملاقة كهيئة قناة السويس وشركات الإتصالات..الخ ؟ لماذا لا نستجيب لعروض الدول المتقدمة ومؤسسات التمويل الدولية التي تقدم التسهيلات لتمويل المشروعات البحثية المكلفة في مجالات مهمة كالطاقة المتجددة والطاقة النووية السلمية وهي تساعد أيضا علي توطين التكنولوجيا وتنمية البحوث في مجالات غاية في التقدم سبق ذكرها.
وأخيرا ..إن مصر تمتلك كل مقومات النجاح في مجال البحث العلمي والتميز فيه.. فمصر والله تستحق أكثر مما هي فيه.
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: